The Washington Post: محمد بن سلمان «لا يُخفي حقيقة أنّه استبدادي».. 

  15 اكتوبر 2018    قرأ 1608
The Washington Post: محمد بن سلمان «لا يُخفي حقيقة أنّه استبدادي».. 

عندما استضاف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مؤتمر الاستثمار العالمي المُبهر في المملكة العربية السعودية، أصبح العالم رهن إشارته، لكن وهو يستعد لتنظيم النسخة ثانية، طفت على السطح قضية اختفاء جمال خاشقجي التي أزعجت الكثيرين.

 

فقد توافد آلاف المستثمرين ورؤساء الشركات وقادة الحكومات إلى المملكة للإصغاء إلى وريث عرش السعودية الشاب ذي الكاريزما الطاغية، وهو يشرح خططه التي ترنو إلى تحديث المملكة المنعزلة، وليلبوا دعوته بالمشاركة في المشاريع والأرباح.

وقال محمد بن سلمان مخاطباً الحضور: «الحالمون فقط هم من نرحب بهم للانضمام إلينا».

لكن في الوقت الذي يقترب فيه موعد انعقاد مؤتمر ثان في الرياض هذا الشهر، يوضح تقرير صحيفة The Washington Post الأميركية، أن محمد بن سلمان، البالغ من العمر 33 عاماً، يبدو أقل إبهاراً بكثير. فقد أعلن الكثيرون، خلال الأسبوع الماضي، ممن خططوا لحضور المؤتمر مقاطعتهم له على نحو مفاجئ، مسارعين بالنأي بأنفسهم عما يعتبرونه الآن قطاراً جامحاً يتجّه صوب الهاوية.

قصة اختفاء جمال خاشقجي تقلق الجميع
وينبع قلقهم من القصة التي لم تُكشف جميع جوانبها بعد التي تدور حول اختفاء جمال خاشقجي الصحفي السعودي الذي اختار أن يعيش في المنفى، والذي قالت مزاعم أنه قُتل وقُطّعت أوصاله هذا الشهر على أيدي عملاء سعوديين داخل القنصلية السعودية في إسطنبول بعد أن تجرَّأ على انتقاد ولي العهد وحكومته علناً.

ويعتقد بعض محبي محمد بن سلمان في الغرب أنّه من غير المعقول أن يكون ولي العهد السعودي الأمير الجذّاب المتحمس ضالعاً في هذه الجريمة الوحشية. وقد أصرّ البيت الأبيض بقيادة ترمب أنه لم يتوصل إلى استنتاجات نهائية حول ما حدث.

 

يعتقد البعض أنه إذا اتضح أنّ الصحافي السعودي قد قُتل على أيدي السعوديين، فلا بد أن ذلك يعني أنها كانت عملية خطف انحرفت عن مسارها أو عملية نفذتها عناصر مارقة.

ويقولون إنّ محمد بن سلمان بذل ما بوسعه للتقرب من الغرب، وهو شديد الذكاء ويعي جيداً أي أوامر يصدرها بقتل خاشقجي قد تؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه.

والبعض لن يندهشوا إن ثبت تورط الأمير محمد بن سلمان في القضية
ويقول آخرون، وكثيرٌ منهم قضوا بعض الوقت برفقة الأمير، إنّ ثبوت تورطه في مقتل أو اختفاء جمال خاشقجي قد يصدمهم ولكنه لن يثير دهشتهم. ويتحدثون عن الجانب المظلم والمتسلط في شخصية الشاب المندفع الذي يتمتع بسلطة مطلقة ولا يتسامح مع معارضيه.

قال دبلوماسي أميركي كبير سابق له خبرة طويلة بالمملكة اكتسبها من عمله في عدة إدارات: «من المستحيل أن يتم هذا الأمر دون موافقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان . مستحيل، مستحيل، مستحيل».

يؤكد بن سلمان والأشخاص الذين يعرفونه أن محبيه الغربيين لطالما أساءوا فهم نواياه، فهم يرون في الأمير الذي يمثل النقيض من القيادة الحذرة العجوز التي حكمت المملكة لعقود، تجسيداً لآمالهم في تحوّل المملكة وقد أبدوا لهفة كافية لتنفيذ خطط التحديث التي وضعها.

وقال أحد المقربين من الديوان الملكي والذي، مثل أغلب الذين أُجريت معهم لقاءات لكتابة هذا المقال، وافق على التحدث شريطة إخفاء هويته ليتمكن من الحديث عن الأمر بوضوح، إنّ الأمير محمد بن سلمان «لا يُخفي حقيقته بأنّه استبدادي.

فلا يشعر بالحرج من ذلك، فهو بالتأكيد يرى نفسه، بعد أن وعد بتحقيق الرخاء والاستقرار، صانعاً للتاريخ»، وأضاف أن بن سلمان «يهتم كثيراً بالبلاد».

خاصة وأنه عبر عن إعجابه بالنموذج الصيني!
في حين كان محبو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الغرب يعتبرونه نسخة جديدة من لي كوان يو، أول من قاد ثورة التحديث في سنغافورة، فإن محمد بن سلمان نفسه معروف بأنه يعتبر الصين، بقيادتها الاستبدادية واقتصادها المتنامي، نموذجاً أفضل للسعودية.

لقد غضب من الانتقادات التي وُجهت إليه في مجال حقوق الإنسان، وأبدى استياءه من تسليط الرقابة الغربية الأنظار عليه أكثر من تركيزها على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

قال ولي العهد في مقابلة مع وكالة Bloomberg News الأميركية هذا الشهر: «لم أدّعِ أنني مصلح».

وصدمة الغرب تفسر غياب اهتمامهم لما يدور في المملكة
ويقول نشطاء حقوق الإنسان السعوديون المخضرمون إنّه إذا كان اختفاء جمال خاشقجي قد صدم الغربيين، فهذا يعني ببساطة أنهم لا يولون اهتماماً كبيراً لما يدور في المملكة، وإلى أي مدى امتدت يد وليّ العهد لقمع المعارضة.

وكان ولي العهد السعودي الأمير سلمان مندفعاً في تثبيت سلطته وظهر ذلك في الموجة الأولية من عمليات الإعدام التي حدثت بعد تعيين محمد بن سلمان المفاجئ في منصب ولي العهد لأبيه، الملك سلمان، وموجات الاعتقالات التي تلتها خلال العام الماضي.

وقد بثت السلطات السعودية الرعب باعتقالها عدداً من المليارديرات ونشطاء المعارضة على حد سواء، مما يدل على أنه لا يوجد من هو بعيدٌ عن سلطتها وبطشها.

ويقول المدافعون عن حقوق الإنسان إنّ السلطات عملت على التأكد من عدم الخوض في الحديث عن هذه الاعتقالات، إذ تُهدّد أقارب المعتقلين وتجبرهم على التوقيع على تعهدات بالتزام الصمت، وتُعقد المحاكمات في سرية.

وقد يؤدي هذا النمط من الحكم من حين لآخر إلى حوادث غريبة. فطبقاً لما قاله يحيى عسيري، وهو ناشط سعودي في مجال حقوق الإنسان ويقيم في لندن، إنه قبل بضعة أشهر، عندما ذهبت السلطات لاعتقال أحد أبرز المدافعات عن حقوق المرأة من منزلها، أحاطوه بالكثير من الأضواء القوية والمسلحين لدرجة أن السكان  اعتقدوا أن هناك من يعمل على تصوير فيلم، وعندما خرج الناس من منازلهم لرؤية ما كان يحدث، ألقت السلطات القبض عليهم وحذرتهم من الحديث حول ما رأوه.

وهو ما ساعد ولي العهد السعودي على فرض «الصمت المطبق»
قد يكون فرض حالة من الصمت المطبِق من أعظم النجاحات التي حققها ولي العهد. وقال العسيري إن شبكاته من النشطاء في الأراضي السعودية قد تقلصت، حيث كثرت الأنباء عن انتهاك الحقوق والاعتقالات مما جعل العديد من النشطاء يتوقفون عن استخدام غرف الدردشة الآمنة التي اعتادوا مشاركة المعلومات من خلالها فيما مضى.

وقال في مقابلة في مكتبه في لندن قبل بضعة أيام من اختفاء جمال خاشقجي : «زُجّ بعدد كبير منهم في السجن. ويشعر البعض بالخوف. بينما اختفى البعض الآخر تماماً، ولا نعرف شيئاً عنهم «.


وليس المعارضون فقط هم من أُجبروا على التزام الصمت، ففي ظل البيئة التي تزداد فيها نزعة القومية عن الحد، التي رسخها ولي العهد، فلا فائدة من أن تعرض نفسك للخطر بالحديث عن أي موضوع. وقال أحد المحللين السياسيين المعروفين في السعودية: «الكل يريد أن يثبت أنه وطني، لا يوجد أي تسامح».

ولم يعِ هذا المحلل هذا الدرس بسهولة، فقد رحب بأهم الإصلاحات التي قام بها بن سلمان، بما في ذلك قراره بتجريد الشرطة الدينية من سلطتها التي مكنتها من فرض قوانين أخلاقية معينة. وقال المحلل: «كان لدى محمد بن سلمان الكثير من الفرص». وأضاف المحلل: ولكن «عندما تكون مُحاطاً  بأشخاص لا يبدون أي اعتراض، فإنك تتوقف عن الإصغاء».

لكن كيف وصل الأمير السعودي إلى ما وصل إليه الآن؟
يعد محمد بن سلمان واحداً من ضمن أبناء عمومة لا حصر لهم من سلالة مؤسس المملكة العربية السعودية، عبدالعزيز بن سعود. وهو الابن البكر لأمه، زوجة سلمان بن عبدالعزيز الثالثة.

قضى والد محمد بن سلمان معظم حياته المهنية حاكماً للرياض، وكان معروفاً بدوره مصلحاً بين مجموعة من أشقائه المتنازعين في كثير من الأحيان، وقد سبقه العديد منهم في اعتلاء منصب العرش.

وفي حين أنّ العديد من الرجال الذين ينتمون للعائلة المالكة يتلقون تعليمهم في الخارج ويترقون في المناصب داخل الجيش السعودي، أو كليهما، درس محمد بن سلمان في جامعة الملك سعود من المنزل وسرعان ما أصبح مساعداً سياسياً بارزاً لوالده.

عندما اعتلى سلمان العرش عام 2015، بعد وفاة أخيه عبد الله، أصدر قراراً بتعيين محمد بن سلمان، الذي كان يشغل منصب رئيس الديوان الملكي السعودي، في منصب وزير الدفاع. و أصبح بن سلمان بعدها مثار اهتمام المسؤولين ذوي المناصب الرفيعة في إدارة أوباما لأول مرة.

وما هو الدور الذي لعبته إدارة الرئيس الأميركي السابق أوباما؟
وقال دبلوماسي بارز في إدارة أوباما: «كانت فكرتنا حول محمد بن سلمان أن التعامل معه كان إلى حد ما حتمياً، خاصة بعد أن أصبح من الواضح أنه سيأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة» لخلافة الملك.

وحاول وزير الخارجية آنذاك جون كيري بناء ما اعتبره علاقة توجيه وإرشاد للأمير الشاب، الذي كان في العشرينات من عمره آنذاك. وقال الدبلوماسي عن محمد بن سلمان: «كان يعرف أنه صغير السن وأنه قد يرتكب أخطاء. وقال إنه يرغب في معرفة ما لا نوافق عليه».

كان محمد بن سلمان «يقرر السياسات، وكانت لدينا مشاكل سياسية حقيقية»، بما في ذلك الحرب التي أعلنها في اليمن عام 2015، على ما يبدو دون إبلاغ كبار مسؤولي الأمن السعوديين أو البيت الأبيض. وكانت هناك خلافات كذلك حول المساعدات المقدمة لقوات المعارضة في سوريا وجهود أوباما، على الرغم من اعتراض السعودية، لإبرام صفقة نووية مع إيران.

وكان محمد بن سلمان يعي حقيقة أنه إذا لم يتم توفير وظائف مناسبة للمواطنين السعوديين الشباب المتعلمين تعليماً عالياً، وإذا لم يتم تنويع مصادر الاقتصاد الذي يعتمد بشكل أساسي على النفط، «فإن المملكة ينتظرها مصير محتومٌ» على حد تعبير هذا الدبلوماسي السابق.

وقد حاول كيري مقابلته: «في كل مرة ذهبنا فيها إلى السعودية وفي كل مرة جاء فيها إلى الولايات المتحدة» رغم أن إنكليزية محمد بن سلمان الركيكة قد زادت من صعوبة إجراء مكالمات هاتفية معه. وفي إحدى المناسبات، في ختام عشاء عمل في منزل كيري في واشنطن، أبهر محمد بن سلمان الضيوف الذين كانوا على وشك المغادرة بعزفه مقطوعة “Moonlight Sonata” لبيتهوفن.

فهل أخطأت واشنطن في تقييم الأمير محمد بن سلمان!
ويعتقد الدبلوماسي الذي اكتسب خبرة عن السعوديين بعمله في العديد من الإدارات الأميركية أنّ «كيري كان يفكر بصورة أكثر إيجابية من بقيتنا» عن محمد بن سلمان . كان ولي العهد السعودي الذي كان دائماً ما يرافق والده، يميل إلى إلقاء المحاضرات، وأذهل أوباما بخطبة مطولة انتقد فيها السياسة الخارجية الأميركية خلال اجتماع مع سلمان.

كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، تحديداً، تتشكك في محمد بن سلمان وفضلت التعامل مع الأمير محمد بن نايف الذي يأتي قبله مباشرة في التسلسل الاجتماعي والذي كان ولياً للعهد ووزيراً للداخلية حينذاك.


ومع ذلك، بحلول شهر يونيو/حزيران عام 2017، أُزيح نايف عن منصبه، وأصدر الملك سلمان قراراً مندفعاً سريعاً صدم أعضاء آخرين في العائلة المالكة المحافظة على التقاليد، بتعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد.

وهو ما جعل تعامل ترمب مع ولي العهد مختلفاً
رأت إدارة ترمب، حتى من قبل أن تطأ بقدمها البيت الأبيض فعلياً، أنّ محمد بن سلمان هو البوابة التي يمكن من خلالها بناء علاقة قوية مع السعودية، وذلك باستخدام نفوذها في المنطقة لدعم خططها السياسية، وإنهاء سياسة أوباما المنفتحة على إيران، وإبرام اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني يتضمن قمع الإرهاب، وإبقاء سوق النفط تحت السيطرة وتوفير المزيد من الأسلحة الأميركية لواحدة من الدول القليلة في العالم التي دفعت ثمنها، السعودية.

وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس ترمب يتودد إلى الملك العجوز، كان هناك اتصالٌ بالملك المستقبلي المفعم بالحيوية والذي سرعان ما أقام علاقة مع صهر ترمب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر.

فعندما زار واشنطن في أوائل عام 2017، تناول محمد بن سلمان طعام الغداء مع ترمب في منزل كوشنر، ولكنه بقي بعيداً إلى حد كبير عن الظهور العام بينما كان هو وكوشنر يخططان لرحلة الرئيس الأولى خارج البلاد، لتبدأ بزيارة حافلة إلى المملكة. ولم يتحدثا كثيراً حول حقوق الإنسان، هذا إن تحدثا عنها أصلاً.

خاصة وأنه قدم «نموذجاً» للملك المستقبلي المنفتح
وفي افتتاح مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 في الرياض، أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن خطط طموحة لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة، بما في ذلك إنشاء منطقة اقتصادية واسعة على ساحل البحر الأحمر بالإضافة إلى وجهة سياحية فاخرة.

وبالتزامن مع إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، أزال محمد بن سلمان عام 2017  القيود عن بعض أجزاء القانون الاجتماعي السعودي المحافظ للغاية. وجُردت الشرطة الدينية من سلطاتها، حيث كانت تفرض قوانين مقيِّدة على ملابس النساء وتفصل بين الجنسين في الأماكن العامة. وقد شجعت الحكومة، بعد تخفيف القيود، إقامة الحفلات الموسيقية والفعاليات الرياضية وأعلنت عن افتتاح دور السينما للمرة الأولى منذ عقود.


وقال محمد بن سلمان إنّ القيود الاجتماعية التي كانت تفرضها المملكة، متأصلة في السعودية، بل كان نتيجة تحول البلاد نحو الاتجاه المحافظ عام 1979، عندما احتشد المتشددون من السنة لمواجهة الثورة الإسلامية الشيعية في جارتها إيران، وهي نظرية قال عنها المفكرون السعوديون إنها قراءة انتقائية للتاريخ، على أحسن تفسير.

عزا محمد بن سلمان قدرته على تحقيق الإصلاحات الاجتماعية مع قليل من التغييرات الثورية لمهاراته التفاوضية مع رجال الدين المحافظين ومعرفته العميقة بالإسلام. لكنه أوضح أنه لا يسعى إلى العمل بالنظام الديمقراطي في السعودية.

فقط ظلت تحت نظام الملكية المطلقة حيث كان يقترب بسرعة من تحقيق السلطة المطلقة. وقد زجّ برجال الدين الذين رفضوا الخضوع لأوامره، أو الذين كان يُنظر إليهم على أنهم مستقلون أكثر من اللازم، في السجن.

لكن هناك من يراه بأنه لا يقل رجعية عن المؤسسات التقليدية
وقال ديفيد أوتاواي، الذي يعمل كبيراً للباحثين في شؤون الشرق الأوسط في مركز ويلسون ودرس الشؤون السعودية وكتب عنها على نطاق واسع: «عندما يتعلق الأمر بالإصلاحات السياسية، فهو لا يقل رجعية عن المؤسسة السياسية الوهابية، وفي حين كانت تُدار البلاد بتوافق آراء كبار الأمراء، فقد أصبحت تُدار الآن برجل واحد، مع القليل من التدخلات من والده».

بيد أنّ آخرين يقولون إنّ الملك سلمان لا يزال يتمتع بنفوذ هائل، ويكبح جماح ابنه في بعض الأحيان ويحثه على مواجهة نفوذ إيران في المنطقة، وهو أمرٌ ذو أولوية بالنسبة للحاكم.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أمر محمد بن سلمان بالقبض على مئات من أفراد العائلة المالكة وصفوة رجال الأعمال، وسجنهم في فندق ريتز كارلتون الفاخر.

وزعم كثيرون في وقت لاحق حدوث انتهاكات جسدية ووفاة شخص واحد على الأقل تحت التعذيب. وقال القصر الملكي إنهم فاسدون، وأطلق سراح معظمهم في نهاية المطاف بعد أن تخلوا عن أجزاء كبيرة من ثرواتهم.

وآخرون يصفونه بـ»الأمير المتسلط»
وقد عبّر أحد المسؤولين الأميركيين البارزين من ذوي الخبرة العميقة بشؤون المملكة وحكامها السابقين الأكثر حكمة عن قلقه بعد عدة لقاءات مع محمد بن سلمان. وقال: «لم يكن مهتماً بالإصغاء»، ووصف الأمير بأنه «متسلط» حيث كان يلقي محاضراته دون السماح بمقاطعته.

وفي الربيع الماضي، وبينما كان العالم ينتظر أن تستقل النساء السعوديات سياراتهن ويقدنها بأنفسهن، أُلقي القبض دون ضجة على أبرز الناشطات اللاتي دافعن  لسنوات عن حق المرأة في القيادة لسنوات وزُجّ بهن في السجن.

وقال أوتاواي: «إننا نكتشف ما يهدف هذا «الملك الجديد» إليه، وما نكتشفه يثير القلق فالجانب المظلم منه يزداد قتامة».

كل ذلك لم يمس بصورة الأمير الشاب بالنسبة لواشنطن
وخلال جولة لمحمد بن سلمان في الولايات المتحدة في مارس/آذار الماضي، حيث كان يعيش الصحفي السعودي قبل اختفاء جمال خاشقجي ، أشاد البيت الأبيض به واصفاً إياه بأنه زعيم مستنير وقوي. وقد استمر محمد بن سلمان، الذي أصبح يتحدث الإنكليزية بطلاقة معقولة الآن، في إثارة انبهار مضيفيه الأميركيين أثناء زياراته بدءاً من مدن الساحل الشرقي التي زارها، حتى المناطق الصناعية، ومراكز التكنولوجيا المتطورة والترفيه في الساحل الغربي.

ورغم أنّ الكثيرين في الكونغرس احتجّوا على مقتل المدنيين بسبب الهجمات الجوية السعودية في اليمن وطالبوا بالتحقيق في الاعتقالات الداخلية، فقد اجتمع العديد من المشرّعين للتحدث معه. ويرى محمد بن سلمان أن تلك الأمور هي مخاوف داخلية تخص بلاده ولا تقلل من قيمة المملكة كحليف أمني قوي للولايات المتحدة. وهي لم تحوّل انتباه محمد بن سلمان بعيداً عن أولويته القصوى: إصلاح الاقتصاد الذي يعتمد إلى حد كبير على النفط.

وهو الأمر الذي لم يكن مفاجئاً
لم يكن الترحيب الحار الذي اُستقبل به محمد بن سلمان المتهم الأبرز في قضية اختفاء جمال خاشقجي في الولايات المتحدة مفاجأة.

فقبل الزيارة وبعدها، اجتازت القيادة السعودية عدة مواقف محرجة في العام الماضي، لم يعرها المجتمع الدولي اهتماماً كبيراً، بما في ذلك احتجاز رئيس الوزراء اللبناني الواضح والعلاقات الدبلوماسية شبه المقطوعة مع كندا بعد احتجاج الكنديين على اعتقال المملكة لواحدة من ناشطات حقوق المرأة.

وشعر بعض المسؤولين الذي يحتلون مناصب رفيعة داخل المملكة بالحيرة من أن العديد من الأميركيين أبدوا اهتماماً عندما بدأت القصص تتوالى في الظهور حول اختفاء خاشقجي  خلال زيارة قام بها في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول للقنصلية السعودية في إسطنبول، وفقاً لما قاله الشخص المقرب من الديوان الملكي. كان يُعتقد أن معاملة السعودية للمواطنين السعوديين، مهما كانت قاسية، هي شأن خاص بالمملكة، ولا علاقة له بالعلاقات الخارجية.

لكن هل يتسبب مقتل جمال خاشقجي في تدمير كل ما بناه ولي العهد؟
 اختفاء جمال خاشقجي ، ناهيك عن احتمال مقتله، «لشخص كان معارضاً ويعيش في الغرب، له علاقة بهم». وقال هذا الشخص: «حتى لو كانوا يفعلون ذلك في السياسة الداخلية، يجب أن يكونوا قادرين على قراءة التأثير على بقية العالم»، في إشارة إلى القيادة السعودية.

وفي حين أن تورط محمد بن سلمان المحتمل في اختفاء خاشقجي «يهدد بفشل كل الجهود التي يبذلها لتحسين العلاقات» مع الغرب، «فهو أيضاً محدود الخبرة. ولا أعتقد أن لديه فهماً عميقاً.. لما سيكون عليه رد الفعل».


مواضيع:


الأخبار الأخيرة